يوميات ماليزية / الحلقة الثانية
2
وصلنا مطارَ أبو ظبي متأخرين لا لشيء إلا حُباً في التأخير وتمسكاً بتقاليدنا العربية الأصيلة ، والحقُ يُقالُ إن خطوطَ ( الاتحاد ) بذلتْ جهوداً جبارةً مشكورةً في تأخيرنا ولكنْ قليلٌ من عبادِي الشكورُ ، وأزعمُ أننا منهم ، ولكنّا أيضاً متأخرونَ يا ولدي فلذا قطعنا المسافة من طائرةِ الدمام إلى طائرة كوالالمبور والبالغة حوالي 2 كم في دقائقَ معدودةٍ حيثُ كنا ننطُّ نطاً ولا أكبرُ كنغر ، كم كُنتُ أتمنى أن أتجولَ في مطار أبو ظبي جولةَ مودِّعٍ ( أخـزُّ ) بعينيّ حوانيته ومحلاته وأشياءَ أخرى :
لا تسلْ عن سرِّها
لن أستطيعَ الكشفْ
المهم ولجنا طائرة الاتحاد الـ ( بوينج 777 ) بربطةِ المعلم على رأي عمنا الحليوة محمود السعدني .
عادةً في الطائرة لا يعرفُ النومُ لجفنيَّ طريقاً :
وإني لأهوى النومَ في غيرِ حينِه
لعلّ لقاءً في المنامِ يكونُ
تُحدثُني الأحلامُ أني أراكمُ
فياليت أحلامَ المنامِ يقينُ
وبما أنها أضغاثُ أحلامٍ وأنا لا أسمعُ أحلام ولا أليسا ولا حتى الحاجة نانسي ، ولكي لا أحرم نفسي متعة الطائرة ، فأنا - وأعوذُ بالله من كلمة أنتَ - عاشقٌ لركوبِ الطائرات ، ولذا أحرصُ حرصَ ( طفلٍ عنيدٍ ) على الركوب بجانب النافذةِ ، ويا سواد ليل من يحاول انتزاعَ هذا الحقِ المقدّس مني ، أنقضُّ عَلَيْهِ انقضاضَ غضنفرٍ ( نحيس ) وربما امتصُ دمَهُ امتصاصَ ( دراكولا ) غثيث .
عوى الذئبُ فاستأنستُ للذئب إذ عوى
وصوّتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
كنّا أربعةَ رهطٍ والطائرةُ ممتدةٌ عرضاً بثلاثة مقاعد يميناً وأربعةٍ وسطاً وثلاثةٍ يساراً ولضمانِ مجاورة النافذة حجزنا مقعدين بجوارها وآخرينِ جنبهما فكنتُ بجانب النافذة وعلى يساري أحد زملاءِ رحلتنا البطوطية وبجانبه امرأة أمريكية وخلفي زميلنا الثالث وعلى يسارِهِ صديقنا الرابع وبجانبه امرأةٌ لم نتبين جنسيتها لأنها كانت نائمةً طولَ الوقت ولم يوقظْها صاحبايَ إلا عشرين مرةً فقط لتسمح لهما بالمرورِ فقد كانا كشاربي ( خروع ) رايحين جايين .
أما جارتُنا الأمريكية المهذبةُ العفيفة فقد تركتْ لنا الجملَ بما حمل وانتقلت لمقعدٍ آخر لتريح نفسها منّا ، ففرحنا بهذا الترك وأنشدنا : ( الحلو لما راح أهو ريّح واستراحْ ) ولم تعد إلا قبل هبوطنا بدقائق وبدأتْ أحاديثَ معنا شعرنا وبكل تواضع ندمَها الشديد لأنها حرمت نفسها منّا ومن حلاوةِ وطلاوة و ( دراوةِ ) حديثنا الشيّق ..
ويقيناً ستندمينَ على أنـ
ـكِ من قبل كنتِ لم تعرفيني