للكلام مضمون ودلالة
يفترض فهمه وفق معايير مشتركة إنسانيا
________________________________________
محمد قاسم " ابن الجزيرة "
m.qibnjezire@hotmail.com
ربما كان من أفضل الخصال والخصائص بالنسبة للإنسان أن يجاهد ليتحرر من رواسبه النفسية" الجهاد الأكبر" بلغة الحديث الشريف. ويرى –ويتعامل –مع الأشياء والوقائع والأحداث والأشخاص والقضايا...أيضا بروح واعية، تغلب فيها الحيادية-كقيمة شخصية إنسانية تبغي الاحترام- خاصة عند الحكم على هذه الأشياء والوقائع والحوادث والأشخاص والقضايا ....الخ.
فالإنسان الذي تأسره المؤثرات الأيديولوجية التي تحصره في شرنقة مغلقة، يدور فيها حول سيكولوجيته المأسورة- لا يمكنه معرفة حقيقة ذاته -وطبعا ومن باب أولى – فهو لا يعرف حقيقة الآخرين،لأن المعرفة تتطلب انفتاحا ومعاير وتحررا من المؤثرات التي تربك التفكير والتأمل وفعالية العقل بشكل عام..
الإنسان المأسور بمؤثرات –لنقل نفسية- ينطلق ويعود إلى ما يأسره من المؤثرات المصطبغة بالروح الأيديولوجية –وهي حالة قوامها المزاج والميول والرغبة ...الخ.- في التفاعل –بل التعامل – فالتعامل يختلف عن التفاعل –كما أرى ...باختصار يحددها المصطلح الدارج -النظرة المسبقة-
التفاعل يقتضي تحررا يفعّل أحكام العقل-الذي يحلل ويركب ويستقرئ ويستنتج، إضافة إلى الخاصة الحدسية فيه-- وفقا لمنطقٍ واضح المقدمات والنتائج.فيتيح التمييز بين ما هو غث وسمين، وبين ما هو رمادي وناصع، وبين ما هو حقيقة وباطل...الخ. وهذا يقتضي مغالبة النفس وهواها...أي يقتضي توفر الإرادة في عملية تفاعل تتفهم وتميز وتختار ...الخ.
كان ابن المقفع يقول إذا اشتبه الأمر عليك فأبعد الأقرب إلى هوى نفسك. .
أما التعامل فيمكن ان يكون تفاعلا،ويمكن أن يكون وفقا للحالة الأيديولوجية-الذاتية- لنا، ومن ثم تجاهل مختلف القيم التي لا ترضينا، وتسليط الضوء على ما نهواه... وتحديد الموقف المسبق ، وبالتوجه الذي يلائم رغباتنا وميولنا –بغض النظر عن توافقها مع حقائق العقل وضوابط المنطق...ام لا .!
ابتلي البعض –ونرجو الله أن يبرئنا منه- بهذا النزوع الآسر من الروح الأيديولوجية، الدينية أو القومية أو كنهج في التفكير عموما...
وبالتالي فهم ينطلقون من ذوات متعالية على الآخرين؛ انطلاقا من أحوال نفسية –لا نسميها مَرضا، ولكنها أحوال متعثرة ومرتبكة.. تتقاطع- أحيانا- مع بعض خصائص الطفولة –غير الناضجة-. ولذلك أسباب بالتأكيد. بعضها يرتد إلى معاناة خاصة - قد تبرر إلى حد ما- هذا التعثر؛ ما لم يتمادى إلى حد التأثير السلبي على المفاهيم، والقيم، والحقائق عموما.وانعكاس على السلوك. فيصبح عندئذ أشبه بحالة نفسية مرضية..وسيكون من حظ هؤلاء أن يعترفوا بحقيقة حالهم لمن يمكنه أن ينفعهم في الخروج من أزمتهم هذه. فمن بين هؤلاء- أحيانا- من يمتلك إمكانيات أدبية وشعرية وفنية ... وإجمالا تلك الإمكانيات التي تلامس النفس أكثر.. يقال: – بين الفنون والجنون شعرة -
يصطدم هؤلاء بالمشكلة عندما يحاولون أن يفكروا بلا أدوات فكرية؛ وعلى رأسها الانضباط بمعايير المنطق...فيتعاملون مع القضايا الفكرية والفلسفية بروح شعرية أو أدبية أو فنية.. – تغلب الحالة الذاتية فيها عموما-فيقعون في مشكلات اكبر، تزيدهم تعثرا على تعثر، وارتباكا على ارتباك، وربما في حالات معينة فقدانا للتوازن المفترض في الشخصية.تماما مثل كرة الثلج كلما تدحرجت زادت حجما
ونخص –هنا – قضية الحكم على أشخاص بخصائص وتوصيفات ما ...!
كيف يمكننا الحكم على البعض بأنهم مثلا ...أعداء امة ما..أو دين ما..أو قضية محددة ما..خاصة ممن له توجهات تبدو عامة، وذات بعد إنساني غالب على الجزئيات المنبثقة عنه..كالانتماء القومي –أو الديني أو غير ذلك.
ولآخذ من نفسي مثلا ....باعتبار أن البعض اتخذ من محاولة تحليلي لقضايا تخص الثقافة العروبية – العربية المتطرفة- ومنها الجزء الثقافي الذي يخص الإسلام أيضا..مادة لاتهامي بالعداء للعرب والإسلام زورا وبهتانا. وأنا هنا لا أود الدخول في سجال مع أمثال هؤلاء، فليس من منهجي إضاعة الوقت مع من ابتلي بروح متحاملة، وثقافة أيديولوجية، لا يمكنه التحرر من مؤثراتها ذات الطبيعة الذاتية –والسلبية في ملامحها العامة.
لينفعني بالشرح والتوضيح من يرى فهمي قاصرا او متجاوزا- فقد استقر في فهمي أن هناك علاقة ذات أهمية مميزة بين الثقافة الإسلامية والثقافة العربية، لجهة أن الإسلام –أصلا كان مهبطه الجزيرة العربية، وكان الرسول محمد(ص) عربيا- بغض النظر عن كون أصوله تعود إلى سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم –خليل الله- غير العربي-
ولغة القرآن هي اللغة القرشية العربية-والقريش مستعربة-...
أما نقطة الاختلاف فهي أني أرى في الإسلام دينا كونيا ،وليس دينا قوميا عربيا - هكذا أفهم- وأن القرآن كتاب كوني وليس كتابا خاصا بالقومية العربية، وان الرسول(ص) سلك مسلكا تجاوز فيه القومية العربية إلى القومية الكونية –إذا جاز التعبير...- وإنني أنطلق –في هذا الفهم- من معنى الآية القرآنية الكريمة:
"يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا عن أكرمكم عند الله اتقاكم".
ومن الحديث القائل: " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"
وقول الرسول (ص): " كلكم لآدم وآدم خلق من تراب".
وقوله (ص): "الناس سواسية كأسنان المشط".
وطبعا؛ العشرات، بل والمئات من الأحاديث الصحيحةـ والآيات البينات التي لا لبس فيها، وواضحة المعاني والمرامي...فضلا عن منطق الأشياء بشكل عام.
لكن البعض يتبع هواه، فيحاول حشر بعض الإشارات الخاصة ليجعل منها عامة وأساسية –على ما فيها من تحديد وأحيانا اختلاف – ويطوّعها لما في نفسه المثقلة بالشعور بالقلق، أو النقص أو ما شابه، و يتخذها المعايير الأهم، متجاهلا ما هو انصع وأوضح وأكثر ثباتا؛ دلالة، ومغزى، وتبنيا للمسلمين عامة لها.
ينطلق مثل هؤلاء من هذا الواقع-أو الحال –السيكولوجي الخاص؛ ليتهم من يشاء بما تمليه عليه نفسه ا لمرتبكة لأمر ما. ويصف الآخرين بما يشاء إلى درجة التوصيف بالنكران للإسلام والكراهية للعرب...الخ. وهم إنما يُسقطون ما في أنفسهم على الآخرين...أو يفسرون الأمور وفق رغباتهم.
فلنعد إلى كل ما كتبت من مواضيع، ومداخلات بهذا الشأن.في المواقع والمنتديات، ويمكن استحضارها بسهولة؛ بكتابة اسمي في غوغل.. وليتأمل ما فيها من يشاء، بعمق، هل هناك ما فيه إساءة إلى الإسلام؟!
ربما وجدت أخطاء في نهج التحليل أو حتى في نقل معلومة ... –و الخطأ بشري بدلالة الحديث الشريف :" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". أما أن يكون هناك ما يشير إلى كراهيتي للإسلام وإساءتي إليه فلا أبدا.
فضلا عن إنني–على الأقل كل يوم خمس مرات في صلواتي، أتشهد بأن "لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" والشهادة كافية للانتماء للإسلام، وقصة الذي نطق بالشهادة -قبيل قتله- وتم قتله، معروفة .عندما غضب الرسول(ص) وقال لقاتله: -وربما كان عليا- هل كنت في ضميره حتى تعتبر نطقه بالشهادة كان خوفا لا إسلاما –أو ما في معناه.
وأما حجة البعض بأنني انتقد التوريث من الخليفة الأموي معاوية فهو انتقاد يمارسه الكثيرون، وهو انتقاد يبنى على أن الخلافة الراشدة لم تتبعه مع أن البعض أوصى –او نصح – الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتوريث ابنه العلامة –عبد الله بن عمر- ولكنه رفض، وقال قولا ذهب شهرة ومثلا: " يكفي أن يحمل وزر هذه الأمة من آل الخطاب واحد" أو ما في معناه.وحتى في هذا فإنني لم أتناول شخصية الخليفة معاوية سوى من الزاوية السياسية فحسب.=والسياسة أمر دنيوي مشمول إسلاميا بقول الرسول(_ص) أنتم أعرف مني بشؤون دنياكم. وكان يمكنه أن يورّث من يشاء،ولكنه لم يفعل.وما تبقى فهو اجتهاد ،وهو حق لكل مجتهد.
وأما الذين يتهمونني بكره العرب...فهم ينطلقون من ذواتهم الكارهة لمن لا تروق لهم اتجاهاتهم، ويحكمون على المختلفين والمخالفين لهم بما يشاؤون من النعوت والأحكام التي لا تستند إلى دليل منطقي ولا واقعي ولا ديني... سوى ما جدلوه من عناصر متناثرة من أفكار مجزوءة من هنا وهناك؛ ليتكؤوا عليها في تبرير مناهجهم المتعثرة، والمرتبكة؛ ذات البنية الذاتية لا الموضوعية.
لا يمكن لعاقل لا يزال يتمتع بملكة العقل –فضلا عن القيم الخلقية- أن يُجمل أمة بموقف نفسي، كالكره والعداء والأحكام التي لا يبررها المنطق ولا الأخلاق...
أما النقد وتحليل حالات ومواقف لأشخاص أو جماعات أو أقوام تجاه موضوع محدد، أو تشخيص طابع يسم التوجه العام لجماعة ما –قومية كانت ام حزبا أو طائفة ام غير ذلك. فهي محاولة تحليل وتشخيص، قد تنجح وقد تفشل.
وما على هؤلاء –بدلا من أحكام مسبقة على الآخرين – إلا أن يصححوا الخطأ بروح طيبة تنبئ عن أنهم أصحاب فكر، ومثل، وقيم؛ لا مجرد أناس يحملون المواقف المسبقة أيديولوجيا تجاه الآخرين.تلبية لقلق نفسي مهما كانت تجلياته وأسبابه.
وإن وجود مثل هذا التوجه لدى البعض لهو دليل على صحة ما نذهب إليه .
رحمنا ورحم الله كل من اتبع سبيل الإساءة إلينا ...وهدانا جميعا لما فيه الصواب.
والله ولي التوفيق.